فصل: (بَابُ الْخِيَارِ) فِي الْبَيْعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.بَابُ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ:

أَيْ: مَا يَشْتَرِطُهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ (وَ) فِي (شَبَهِهِ)؛ كَنِكَاحٍ وَشَرِكَةٍ وَإِجَارَةٍ (وَهُوَ)؛ أَيْ: الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا (إلْزَامُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْآخَرَ بِسَبَبِ الْعَقْدِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِلْزَامُ (مَا)؛ أَيْ: شَيْءٌ (لَهُ)؛ أَيْ: الْمُلْزِمِ (فِيهِ مَنْفَعَةٌ)؛ أَيْ: غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ، (وَتُعْتَبَرُ هُنَا)؛ أَيْ: فِي الْبَيْعِ (مُقَارَنَةُ شَرْطِ الْعَقْدِ)؛ أَيْ: بِأَنْ يَقَعَ الشَّرْطُ فِي صُلْبِهِ. (وَفِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ كَنِكَاحٍ) فَيَكْفِي اتِّفَاقُهُمَا عَلَيْهِ قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ الِاتِّفَاقِ إلَى وَقْتِ الْعَقْدِ، لَا سِيَّمَا إنْ عَلِمَا أَنَّهُمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالْعَقْدِ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَكَعَقْدٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ)؛ أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ؛ فَيَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ فِيهِمَا؛ كَمَا يَصِحُّ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ زَمَنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ حَالِ الْعَقْدِ وَيَأْتِي. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَصَحِيحُهُ) أَيْ: الشَّرْطُ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ (أَنْوَاعٍ). أَحَدُهَا (مَا يَقْتَضِيهِ بَيْعٌ)؛ أَيْ: بِطَلَبِهِ الْبَيْعَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ (كـَ) شَرْطِ (تَقَابُضٍ، وَحُلُولِ ثَمَنٍ، وَتَصَرُّفِ كُلٍّ) مِنْ مُتَبَايِعَيْنِ (فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ) مِنْ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ (وَ) اشْتِرَاطِ (رَدِّهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (بِعَيْبٍ قَدِيمٍ) يَجِدُهُ بِهِ (وَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ)؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِيهِ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلِأَنَّهُ بَيَانٌ وَتَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ. النَّوْعُ (الثَّانِي): مَا كَانَ (مِنْ مَصْلَحَتِهِ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرَطِ لَهُ (كَتَأْجِيلِ) كُلِّ (ثَمَنٍ أَوْ بَعْضِهِ) إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ نَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْبَلَدِ وَبُعْدِهِ، (أَوْ) اشْتِرَاطِ (رَهْنٍ وَلَوْ) كَانَ الرَّهْنُ (الْمَبِيعَ)؛ فَيَصِحُّ اشْتِرَاطُ رَهْنِهِ عَلَى ثَمَنِهِ، (أَوْ) اشْتِرَاطِ (ضَمِينٍ بِهِ)؛ أَيْ: الثَّمَنِ (مُعَيَّنَيْنِ)؛ أَيْ: الرَّهْنَ وَالضَّمِينَ، وَكَذَا شَرْطُ كَفِيلٍ بِبَدَنِ مُشْتَرٍ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ طَلَبُ رَهْنٍ أَوْ ضَمِينٍ مِنْ مُشْتَرٍ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلْمُشْتَرِي بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ. (أَوْ) يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي (صِفَةً فِي مَبِيعٍ، كَ) كَوْنِ (الْعَبْدِ) الْمَبِيعِ (كَاتِبًا أَوْ فَحْلًا) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُ أَوْ فَحْلًا كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ؛ إذْ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا فَبَانَ خَصِيًّا؛ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ الْمَبِيعُ (أَوْ خَصِيًّا أَوْ صَانِعًا)؛ أَيْ: خَيَّاطًا وَنَحْوَهُ (أَوْ مُسْلِمًا وَ) كَوْنِ (الْأَمَةِ بِكْرًا أَوْ تَحِيضُ، وَ) كَوْنِ (الدَّابَّةِ هملاجة) بِكَسْرِ الْهَاءِ؛ أَيْ: تَمْشِي الْهَمْلَجَةَ، وَهِيَ مِشْيَةٌ سَهْلَةٌ فِي سُرْعَةٍ، (أَوْ) كَوْنِ الدَّابَّةِ (لَبُونًا أَيْ: كَثِيرَةُ لَبَنٍ أَوْ) كَوْنِهَا (حَامِلًا وَ) كَوْنِ (الْفَهْدِ أَوْ الْبَازِي صَيُودًا)؛ أَيْ: مُعَلَّمَ الصَّيْدِ، (وَ) كَوْنِ (الْأَرْضِ) الْمَبِيعَةِ خَرَاجُهَا كَذَا فِي كُلِّ سَنَةٍ، (وَ) كَوْنِ (الطَّائِرِ) الْمَبِيعِ (مَصُوتًا، أَوْ يَبِيضُ، أَوْ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ يَصِيحُ عِنْدَ صَبَاحٍ أَوْ مَسَاءٍ، فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَازِمَةٌ)؛ لِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِهَا قَصْدًا صَحِيحًا، وَتَخْتَلِفُ الرَّغَبَاتُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، فَلَوْلَا صِحَّةُ اشْتِرَاطِهَا وَلُزُومِهَا لَفَاتَتْ الْحِكْمَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا شُرِعَ الْبَيْعُ. (فَإِنْ وُجِدَتْ) هَذِهِ الشُّرُوطُ؛ أَيْ: حَصَلَ لِمُشْتَرِطٍ شَرْطُهُ؛ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَلَا فَسْخَ لَهُ (وَإِلَّا) يُوجَدْ الشَّرْطُ (ثَبَتَ) لَهُ (الْفَسْخُ)؛ لِفَقْدِ الشَّرْطِ، وَلِحَدِيثِ: «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». (أَوْ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ) الْمَشْرُوطَةِ، إنْ لَمْ يُفْسَخْ؛ كَأَرْشِ عَيْبٍ ظَهَرَ عَلَيْهِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ لَا) لِنَحْوِ تَلَفِ مَبِيعٍ (تَعَيَّنَ أَرْشُ) فَقْدِ الصِّفَةِ؛ كَمَعِيبٍ تَعَذَّرَ رَدُّهُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا)؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ (فِي الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ)، بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا شَرَطْتُ كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَجْرِ شَرْطٌ؛ (فَقَوْلُ مُنْكِرِهِ)؛ أَيْ: الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَ) اخْتَلَفَا (فِي بَكَارَةِ) أَمَةٍ مَبِيعَةٍ وَعَدَمِهَا، (وَلَوْ) كَانَ اخْتِلَافُهُمَا (بَعْدَ وَطْءِ) الْمُشْتَرِي؛ (فَقَوْلُ مُشْتَرٍ) بِيَمِينِهِ، وَحَذْفُ كَلِمَةِ لَوْ أَظْهَرُ فِيمَا يَظْهَرُ.
(وَ) إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْبَكَارَةِ وَعَدَمِهَا (قَبْلَهُ)؛ أَيْ: الْوَطْءِ (تُرَى لِلنِّسَاءِ)، فَمَا شَهِدَ بِهِ النِّسَاءُ قُبِلَ، (وَيَكْفِي) فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ (ثِقَةٍ)؛ كَسَائِرِ الْعُيُوبِ تَحْتَ الثِّيَابِ. (وَإِنْ شَرَطَ) الْمُشْتَرِي (أَنْ الطَّائِرَ يُوقِظُهُ لِلصَّلَاةِ، أَوْ) أَنَّهُ (يَصِيحُ عِنْدَ دُخُولِهَا)؛ أَيْ: أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِتَعَذُّرِ الْوَفَاءِ بِهِ. (أَوْ) شَرَطَ أَنْ الدَّابَّةَ تَحْلُبُ كُلَّ يَوْمٍ (كَذَا)؛ أَيْ: قَدْرًا مُعَيَّنًا، (أَوْ) شَرَطَ (الْكَبْشَ مُنَاطِحًا، أَوْ الدِّيكَ مُنَاقِرًا، أَوْ الْأَمَةَ مُغَنِّيَةً أَوْ) زَانِيَةً، أَوْ مُسَاحَقَةٍ، أَوْ (لَا تَحْمِلُ؛ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ، أَوْ مُحَرَّمٌ، وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ شَرْعًا. (وَيَتَّجِهُ: وَلِمَنْ فَاتَهُ غَرَضُهُ الْمُبَاحُ الْفَسْخُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا اشْتَرَطَهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ أَخْبَرَ بَائِعٌ) مُشْتَرِيًا (بِصِفَةٍ) فِي مَبِيعٍ يُرْغَبُ فِيهِ لَهَا، (فَصَدَّقَهُ مُشْتَرٍ بِلَا شَرْطٍ)، فَبَانَ فَقْدُهَا؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَقْصِيرٌ بِعَدَمِ الشَّرْطِ. (أَوْ شَرَطَ صِفَةً أَوْلَى؛ كَ) مَا لَوْ شَرَطَ (الْأَمَةَ ثَيِّبًا)، فَبَانَتْ أَعْلَى؛ فَلَا خِيَارَ. وَلَعَلَّ هَذَا حَيْثُ لَا غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ؛ كَالشَّيْخِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفُضَّ الْبَكَارَةَ، فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ غَرَضًا صَحِيحًا مُوَافِقًا لِقَصْدِهِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُنَجَّى وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ. (أَوْ) شَرَطَهَا (كَافِرَةً، أَوْ هُمَا)؛ أَيْ: ثَيِّبًا كَافِرَةً (أَوْ) شَرَطَهَا (سَبْطَةَ) الشَّعْرِ، (أَوْ حَامِلًا، أَوْ لَا تَحِيضُ، فَبَانَتْ أَعْلَى)، بِأَنْ وَجَدَ الْقَادِرُ عَلَى الْوَطْءِ الْمَشْرُوطَةَ ثَيِّبًا بِكْرًا، أَوْ الْمَشْرُوطَةَ كَافِرَةً مُسْلِمَةً، أَوْ الْمَشْرُوطَةَ سَبْطَةً (جَعْدَةً، أَوْ) الْمَشْرُوطَةَ حَامِلًا (حَائِلًا، أَوْ تَحِيضُ؛ فَلَا خِيَارَ) لِمُشْتَرٍ؛ لِأَنَّهُ زَادَهُ خَيْرًا، وَكَذَا لَوْ شَرَطَهَا لَا تَحِيضُ فَبَانَتْ تَحِيضُ، أَوْ حَمْقَاءَ فَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، أَوْ شَرَطَ الْعَبْدَ كَافِرًا فَبَانَ مُسْلِمًا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ)؛ أَيْ: لَا خِيَارَ لِمُشْتَرٍ أَمَةً (شَرَطَهَا يَهُودِيَّةً فَبَانَتْ نَصْرَانِيَّةً)؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَأَرَقُّ طَبْعًا، وَأَكْثَرُ نَفْعًا. (لَا عَكْسُهُ)، بِأَنْ شَرَطَهَا نَصْرَانِيَّةً فَبَانَتْ يَهُودِيَّةً؛ فَلَهُ الْخِيَارُ؛ (لِبَقَاءِ تَحْرِيمِ سَبْتٍ) عَلَيْهَا بِاعْتِقَادِهَا، فَلَا يَتَمَكَّنُ السَّيِّدُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا خِيَارَ بِحَمْلِ بَهِيمَةٍ) مَبِيعَةٍ (شُرِطَتْ)؛ أَيْ: شَرَطَ مُشْتَرِيهَا عَلَى الْبَائِعِ كَوْنَهَا (حَائِلًا)؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةُ تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ، بِخِلَافِهِ فِي الْآدَمِيَّاتِ. (قَالَ بَعْضُهُمْ): مِنْهُمْ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَالْحَاوِي وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى فِي الصَّدَاقِ (إنْ لَمْ يَضُرَّ) الْحَمْلُ (بِاللَّحْمِ)؛ أَيْ: لَحْمِ الْبَهِيمَةِ الْمَبِيعَةِ؛ فَإِنْ ضَرَّ فَلَهُ الْخِيَارُ. (الثَّالِثُ شَرَطَ بَائِعٌ) عَلَى مُشْتَرٍ (نَفْعًا غَيْرَ وَطْءٍ وَدَوَاعِيهِ)؛ كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ فَرْجٍ وَقُبْلَةٍ، فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمِلْكِ عَيْنٍ، أَوْ عَقْدِ نِكَاحٍ. (مَعْلُومًا)؛ أَيْ: النَّفْعَ (فِي مَبِيعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِنَفْعًا؛ (كـَ) اشْتِرَاطِ (سُكْنَى الدَّارِ) الْمَبِيعَةِ (شَهْرًا) مَثَلًا، (وَحِمْلَانِ الْبَعِيرِ) الْمَبِيعَ وَنَحْوَهُ (لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ، وَ) كَاشْتِرَاطِ (خِدْمَةِ الْقِنِّ) الْمَبِيعِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً)؛ فَيَصِحُّ نَصًّا؛ لِحَدِيثِ «جَابِرٍ أَنَّهُ بَاعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلًا، وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَفِي لَفْظٍ قَالَ: فَبِعْتُهُ بِأُوقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إلَى أَهْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: وَنَفَقَةُ الْمَبِيعِ الْمُسْتَثْنَى نَفْعُهُ مُدَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ، الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي كَالْعَيْنِ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا لَا كَالْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُعَارَةِ. (وَلِبَائِعٍ إجَارَةُ) مَا اسْتَثْنَى، (وَ) لَهُ (إعَارَةُ مَا اسْتَثْنَى) مِنْ النَّفْعِ لِمِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ؛ كَالْمُسْتَأْجِرِ (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْبَائِعِ (عَلَى مُشْتَرٍ إنْ تَعَذَّرَ انْتِفَاعُهُ)؛ أَيْ: الْبَائِعِ بِالنَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى (بِسَبَبِهِ)؛ أَيْ: الْمُشْتَرِي، بِأَنْ أَتْلَفَ الْعَيْنَ الْمُسْتَثْنَى نَفْعُهَا، أَوْ أَعْطَاهَا لِمَنْ أَتْلَفَهَا، أَوْ تَلِفَتْ (وَلَوْ بِتَفْرِيطِهِ، أُجْرَةُ مِثْلِهِ)؛ أَيْ: النَّفْعِ الْمُسْتَثْنَى نَصًّا؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ مُشْتَرٍ، بِأَنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَلَا تَفْرِيطِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا نَصًّا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَمْلِكْهَا مِنْ جِهَتِهِ؛ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ نَخْلَةٌ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ ثَمَرَتَهَا. (وَلَوْ بِيعَ)؛ أَيْ: بَاعَ الْمُشْتَرِي مَا اسْتَثْنَى نَفْعَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ صَحَّ الْبَيْعُ، وَكَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي مُسْتَثْنَى النَّفْعِ؛ كَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ (فَالِانْتِفَاعُ) أَيْ: انْتِفَاعُ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِمَا اسْتَثْنَاهُ (بِحَالِهِ) لَمْ يَتَغَيَّرْ بِبَيْعِ الْمَبِيعِ ثَانِيًا (وَلِمُشْتَرٍ) ثَانٍ (لَمْ يَعْلَمْ) بِالْحَالِ (الْخِيَارَ)؛ كَمَنْ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، أَوْ دَارًا مُؤَجَّرَةً غَيْرَ عَالِمٍ بِذَلِكَ (وَلَوْ أَرَادَ مُشْتَرٍ إعْطَاءَ بَائِعٍ عِوَضًا عَنْ نَفْعِ مَا اسْتَثْنَى؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ)، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ النَّفْعِ مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ نَصًّا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ؛ كَالْمُؤَجَّرَةِ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ بَائِعٌ الْعِوَضَ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ جَازَ. (وَكَذَا)؛ أَيْ: كَشَرْطِ بَائِعٍ نَفْعًا مَعْلُومًا فِي مَبِيعٍ (شَرَطَ مُشْتَرٍ نَفْعَ بَائِعٍ) نَفْسِهِ (فِي مَبِيعٍ؛ كَ) شَرْطِ (حَمْلِ حَطَبٍ) مَبِيعٍ؛ (أَوْ تَكْسِيرِهِ، وَ) كَشَرْطِهِ (خِيَاطَةَ ثَوْبٍ) مَبِيعٍ، (أَوْ تَفْصِيلَهُ، أَوْ) شَرْطِ (جَزِّ رَطْبَةٍ) مَبِيعَةٍ.
قَالَ فِي الْمُطْلِعِ: الرَّطْبَةُ- بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ- نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، يُقِيمُ فِي الْأَرْضِ سِنِينَ، كُلَّمَا جُزَّ نَبَتَ، وَهُوَ الْقَضْبُ أَيْضًا، وَهِيَ الْفِصْفِصَةُ- بِفَائَيْنِ مَكْسُورَتَيْنِ، وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ- وَتُسَمَّى فِي الشَّامِ فِي زَمَنِنَا الْفِصَّةَ. (أَوْ) شَرْطِ (حَصَادِ زَرْعٍ)، أَوْ جُذَاذِ ثَمَرَةٍ، أَوْ ضَرْبِ حَدِيدٍ سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا، (بِشَرْطِ عِلْمِهِ)؛ أَيْ: النَّفْعِ الْمَشْرُوطِ، بِأَنْ يُعْلَمَ مَثَلًا الْمَحَلُّ الْمَشْرُوطُ حَمْلُ الْحَطَبِ إلَيْهِ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ اشْتَرَى مِنْ نَبَطِيٍّ جُرْذَةَ حَطَبٍ، وَشَارَطَهُ عَلَى حَمْلِهَا. وَلِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ الْحَطَبَ، وَأَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِحَمْلِهِ، أَوْ بَاعَهُ الثَّوْبَ، وَأَجَّرَهُ نَفْسَهُ لِخِيَاطَتِهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالْإِجَارَةِ يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ؛ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ كَالْعَيْنَيْنِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ «نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»؛ لَمْ يَصِحَّ.
قَالَ أَحْمَدُ إنَّمَا النَّهْيُ عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَهَذَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى جَوَازِ الشَّرْطِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ النَّفْعُ، بِأَنْ شَرَطَ حَمْلَ الْحَطَبِ عَلَى بَائِعِهِ إلَى مَنْزِلِهِ، وَهُوَ لَا يُعْلَمُ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً؛ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ بَائِعٌ نَفْعَ غَيْرِ مَبِيعٍ، أَوْ مُشْتَرٍ نَفْعَ بَائِعٍ فِي غَيْرِ مَبِيعٍ وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ. (وَهُوَ)؛ أَيْ: الْبَائِعُ الْمَشْرُوطُ نَفْعُهُ فِي الْمَبِيعِ (كَأَجِيرٍ فَإِنْ مَاتَ بَائِعٌ) قَبْلَ حَمْلِ الْحَطَبِ أَوْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَنَحْوٍ مِمَّا شُرِطَ عَلَيْهِ، (أَوْ تَلِفَ مَبِيعٌ) قَبْلَ عَمَلِ بَائِعٍ فِيهِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، (أَوْ اُسْتُحِقَّ نَفْعُ بَائِعٍ)، بِأَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ إجَارَةً خَاصَّةً؛ (فَلِمُشْتَرٍ عِوَضُ ذَلِكَ) النَّفْعِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فِي الْمَبِيعِ؛ لِفَوَاتِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِذَلِكَ، فَانْفَسَخَتْ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا خَاصًّا فَمَاتَ. وَإِنْ مَرِضَ بَائِعٌ وَنَحْوُهُ؛ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، كَالْإِجَارَةِ وَإِنْ أَرَادَ بَائِعٌ دَفْعَ عِوَضِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ، وَأَبَى مُشْتَرٍ، أَوْ أَرَادَ مُشْتَرٍ أَخْذَهُ بِلَا رِضَا بَائِعٍ؛ لَمْ يُجْبَرْ مُمْتَنِعٌ. (وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخَذَهُ)؛ أَيْ: الْعِوَضِ، وَلَوْ (بِلَا عُذْرٍ؛ جَازَ)؛ لِجَوَازِ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ، فَكَذَا مَعَهُ، وَكَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا. (وَإِنْ تَعَذَّرَ نَفْعُ بَائِعٍ بِنَحْوِ مَرَضٍ؛ أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى الْبَائِعِ كَالْإِجَارَةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَيُبْطِلُهُ)؛ أَيْ: الْبَيْعَ (جَمْعٌ بَيْنَ شَرْطَيْنِ وَلَوْ صَحِيحَيْنِ) مُنْفَرِدَيْنِ؛ كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ، أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَتَفْصِيلِهِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (مَا لَمْ يَكُونَا)؛ أَيْ: الشَّرْطَانِ (مِنْ مُقْتَضَاهُ)؛ أَيْ: الْبَيْعِ، كَاشْتِرَاطِهِ حُلُولَ الثَّمَنِ، وَتَصَرُّفَ كُلٍّ فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ. (أَوْ) يَكُونَا مِنْ (مَصْلَحَتِهِ)؛ كَاشْتِرَاطِ رَهْنٍ وَضَمِينٍ مُعَيَّنَيْنِ بِالثَّمَنِ؛ فَيَصِحُّ. (وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخٍ)؛ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ بِأَمْرٍ يَحْدُثُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، أَشْبَهَ شَرْطَ الْخِيَارِ. (غَيْرَ خُلْعٍ)، فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، إلْحَاقًا لَهُ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِيهِ، (بِشَرْطٍ) مُتَعَلِّقٍ بِتَعْلِيقِهِ؛ (كـَ) قَوْلِهِ: (بِعْتُكَ) كَذَا بِكَذَا، (عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى كَذَا)؛ أَيْ: وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، (أَوْ) بِعْتُكَ (عَلَى أَنْ تَرْهَنَهُ)؛ أَيْ: الْمَبِيعَ (بِثَمَنِهِ، وَإِلَّا) تَفْعَلْ ذَلِكَ (فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا)؛ فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْقَبُولِ، (وَيَنْفَسِخُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ)؛ أَيْ: بِنَقْدِهِ الثَّمَنَ إلَى الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، أَوْ بِرَهْنِهِ الْمَبِيعَ بِثَمَنِهِ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ. وَمِثْلُهُ لَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ، وَأَقْبَضَهُ لَهُ، وَشَرَطَ إنْ رَدَّ بَائِعٌ إلَى وَقْتِ كَذَا فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ حِيلَةً لِيَرْبَحَ فِي قَرْضٍ. وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثٍ، (وَإِلَّا فَلِيَ الْفَسْخُ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ) إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرَيْتُهُ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَنِي الْمَبِيعَ إلَى ثَلَاثٍ، وَإِلَّا فَلِيَ الْفَسْخُ؛ صَحَّ، وَلَهُ شَرْطُهُ. لَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِقَوْلِهِ: فَسَخْتُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا.
(وَ) قَالَ: (بِعْتُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَأْمِرَ فُلَانًا، وَحَدَّدَ ذَلِكَ)؛ أَيْ: اسْتِئْمَارَهُ (بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ) كَأُسْبُوعٍ مَثَلًا؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ، (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْبَائِعِ (الْفَسْخُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِرَ) فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ.

.(فَصْلٌ): [أَنْوَاعُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ]:

(وَفَاسِدُهُ)؛ أَيْ: الشَّرْطُ الْفَاسِدُ، ثَلَاثَةُ (أَنْوَاعٍ):

.أَحَدُهَا (مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ) مِنْ أَصْلِهِ:

(كَشَرْطِ بَيْعٍ آخَرَ)؛ كَبِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذِهِ الْفَرَسَ، (أَوْ) شَرْطِ (سَلَفٍ)؛ كَبِعْتُك عَبْدِي عَلَى أَنْ تُسَلِّفَنِي كَذَا فِي كَذَا، (أَوْ) شَرْطِ (قَرْضٍ)؛ كَعَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي كَذَا، (أَوْ) شَرْطِ (إجَارَةٍ)؛ كَعَلَى أَنْ تُؤَجِّرَنِي دَارَكَ بِكَذَا، (أَوْ) شَرْطِ (شَرِكَةٍ)؛ كَعَلَى أَنْ تُشَارِكَنِي فِي كَذَا، (أَوْ) شَرْطِ (صَرْفِ الثَّمَنِ)؛ كَبِعْتُكَ الْأَمَةَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ تَصْرِفَهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، (أَوْ) شَرْطِ صَرْفِ (غَيْرِهِ)؛ أَيْ: الثَّمَنِ؛ كَبِعْتُك الثَّوْبَ عَلَى أَنْ تَصْرِفَ لِي هَذِهِ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ» (وَهُوَ)؛ أَيْ: هَذَا النَّوْعُ (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ)، قَالَ أَحْمَدُ: وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا وَلَا شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ؛ فَلَمْ يَصِحَّ؛ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ. (وَمِثْلُهُ) فِي الْبُطْلَانِ (بِعْتُكَ كَذَا بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَرْهَنَ كَذَا)؛ أَيْ: دَارَكَ مَثَلًا (بِهَا وَبِالْمِائَةِ الَّتِي عَلَيْك)، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ، (أَوْ) يَقُولُ: (بِعْتُكَ) ثَوْبِي (بِكَذَا) كَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا (عَلَى أَنْ آخُذَ مِنْكَ الدِّينَارَ بِكَذَا) دِرْهَمٍ كَخَمْسَةٍ مَثَلًا. (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) يَقُولُ بِعْتُكَ دَارِيَ (بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ) مَثَلًا، بِحَيْثُ إنَّهُ (يَعْدِلُ كُلُّ دِينَارٍ) مِنْهَا (عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ): بِعْتُكَ دَارِيَ بِكَذَا (عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتك، أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَكَ بِنْتِي، وَكَذَا عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَى عَبْدِي، أَوْ) عَلَى (دَابَّتِي، أَوْ) عَلَى (حِصَّتِي) مِنْ ذَلِكَ قَرْضًا أَوْ مَجَّانًا قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ عَنْ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ إلَى آخِرِهِ: هُوَ مَقِيسٌ عَلَى كَلَامِ أَحْمَدَ، وَلَيْسَ مَقُولَهُ.

.النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ:

فِي الْبَيْعِ شَرْطٌ (فَاسِدٌ) فِي نَفْسِهِ (غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْبَيْعِ، كَشَرْطٍ) فِي الْعَقْدِ (يُنَافِي مُقْتَضَاهُ)؛ أَيْ: الْبَيْعِ؛ (كـَ) اشْتِرَاطِ مُشْتَرٍ (أَنْ لَا يَخْسَرَ) فِي مَبِيعٍ، (أَوْ مَتَى نَفَقَ) الْمَبِيعُ، (وَإِلَّا رَدَّهُ) لِبَائِعِهِ؛ (أَوْ) اشْتِرَاطِ بَائِعٍ عَلَى مُشْتَرٍ أَنْ (لَا يَقِفَهُ)؛ أَيْ: الْمَبِيعَ، (أَوْ) أَنْ (يَبِيعَهُ، أَوْ) أَنْ (لَا يَهَبَهُ، أَوْ) أَنْ لَا (يُعْتِقَهُ، أَوْ) إنْ (أَعْتَقَهُ فَلِبَائِعٍ وَلَاؤُهُ، أَوْ) اشْتَرَطَ عَلَيْهِ (أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ)؛ أَيْ: يَقِفَ الْمَبِيعَ أَوْ يَهَبَهُ؛ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِعَوْدِ الشَّرْطِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ، نَحْوِ بِعْتُكَهُ عَلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهِ أَخُوكَ أَوْ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ؛ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، كُلَّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكَ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلَاؤُكَ لِي، فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَقَالَتْ: إنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْوَلَاءُ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَدِينُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَبْطَلَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يُبْطِلْ الْعَقْدَ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ، لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ وَاشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ الْوَلَاءَ، بِدَلِيلِ أَمْرِهَا بِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِفَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا بِإِعْتَاقِهَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطٍ، وَلِأَنَّهُمْ أَبَوْا الْبَيْعَ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ لَهُمْ، فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا بِمَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَهُ، وَأَمَّا أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَلَيْسَ بِأَمْرٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِيغَةُ أَمْرٍ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا}، وَالتَّقْدِيرُ: اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ أَوْ لَا تَشْتَرِطِي، وَلِهَذَا قَالَ عَقِبَهُ: إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ (إلَّا شَرْطَ عِتْقٍ؛ فَيَلْزَمُ) بِاشْتِرَاطِ بَائِعٍ عَلَى مُشْتَرٍ؛ لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ. (وَيُجْبَرُ مُشْتَرٍ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عِتْقِ مَنْ اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ (إنْ أَبَاهُ)؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِكَوْنِهِ قُرْبَةً الْتَزَمَهَا الْمُشْتَرِي، فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ كَالنَّذْرِ (فَإِنْ أَصَرَّ) مُمْتَنِعًا؛ (أَعْتَقَهُ حَاكِمٌ) كَطَلَاقِهِ عَلَى مُولٍ. (وَكَذَا شَرْطُ رَهْنٍ فَاسِدٍ) كَمَجْهُولِ خَمْرِهِ (وَنَحْوِهِ) كَشَرْطِ ضَمِينٍ أَوْ كَفِيلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (وَ كَ) شَرْطِ (خِيَارٍ أَوْ أَجَلٍ) فِي ثَمَنٍ (مَجْهُولَيْنِ، أَوْ) شَرْطِ (تَأْخِيرِ تَسْلِيمِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (بِلَا انْتِفَاعِ) بَائِعٍ بِهِ، (أَوْ) شَرْطِ بَائِعٍ (إنْ بَاعَهُ)؛ أَيْ: الْمَبِيعَ مُشْتَرٍ؛ (فَهُوَ)؛ أَيْ: الْبَائِعُ (أَحَقُّ بِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (بِالثَّمَنِ)؛ أَيْ: بِمِثْلِهِ؛ (أَوْ) شَرْطِ (أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَحْمِلُ)؛ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ، وَتَبْطُلُ هَذِهِ الشُّرُوطُ. قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِبَيَّاعٍ. (وَلِمَنْ فَاتَ غَرَضُهُ) بِفَسَادِ الشَّرْطِ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرِطِ (الْفَسْخِ فِي الْكُلِّ)؛ أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، (وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِفَسَادِ شَرْطٍ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ. (وَيُرَدُّ ثَمَنٌ وَمُثَمَّنٌ لَمْ يَفُتْ) بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، (وَإِلَّا) بِأَنْ فَاتَ؛ (فـَ) يَلْزَمُ (أَرْشُ نَقْصِ ثَمَنٍ لِبَائِعٍ)، إنْ كَانَ الْمُشْتَرِطُ بَائِعًا، فَإِنْ بَاعَهُ بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَشَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا؛ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِنَقْصٍ مِنْ ثَمَنِهِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالنَّقْصِ. (أَوْ اسْتِرْجَاعُ زِيَادَتِهِ)؛ أَيْ: الثَّمَنِ (لِمُشْتَرٍ) إنْ كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِطَ، بِأَنْ اشْتَرَى بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ، وَشَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا؛ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَأَخْذِ مَا زَادَ؛ (لِفَوَاتِ غَرَضِ كُلٍّ مِنْهُمَا). (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا) حُكْمُ (كُلِّ شَرْطٍ فَسَدَ كَشَرْطِ لَبَنِ) حَيَوَانٍ (مَبِيعٍ مُدَّةً) مَعْلُومَةً كَشَهْرٍ مَثَلًا؛ لِجَهَالَةِ قَدْرِ اللَّبَنِ فِي الْمُدَّةِ، وَكَشَرْطِ نَفْعِ دَابَّةٍ بِيعَتْ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا الْبَائِعُ مَا شَاءَ ثُمَّ يُسَلِّمَهَا لِلْمُشْتَرِي، فَهَذَا الشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ (لِأَنَّ النَّفْعَ غَيْرُ مَعْلُومٍ)، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ.
(وَ) هُوَ مُتَّجِهٌ وَمَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: (بِعْنِي هَذَا) الشَّيْءَ (عَلَى أَنْ أَقْضِيك دَيْنَك مِنْهُ، فَبَاعَهُ) إيَّاهُ؛ (صَحَّ الْبَيْعُ) قِيَاسًا عَلَى مَا سَبَقَ، (لَا الشَّرْطُ)؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْقَضَاءِ، وَمُقْتَضَى الْبَيْعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ مُشْتَرٍ بِمَا يَخْتَارُ، وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، أَوْ أَخْذُ أَرْشِ نَقْصِ ثَمَنٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَ) إنْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ: (اقْضِنِي دَيْنِي عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ كَذَا بِكَذَا)، فَقَضَاهُ دَيْنَهُ؛ (صَحَّ قَضَاءٌ)؛ لِأَنَّهُ أَقْبَضَهُ دَيْنَهُ (فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ بَيْعٍ مَشْرُوطٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى الْقَضَاءِ، وَيَأْتِي أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ.
(وَ) إنْ قَالَ رَبُّ دَيْنٍ: (اقْضِنِي أَجْوَدَ مِنْ) مَالِي (عَلَيْك، عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ كَذَا، فَفَعَلَا)؛ أَيْ: قَضَاهُ حَقَّهُ أَجْوَدَ، وَبَاعَهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ، (فـَ) الْبَيْعُ وَالْقَضَاءُ (بَاطِلَانِ)، وَيَرُدُّ الْأَجْوَدَ قَابِضُهُ، وَيُطَالِبُ بِمِثْلِ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِ الْأَجْوَدِ إلَّا طَمَعًا فِي حُصُولِ الْمَبِيعِ لَهُ، وَلَمْ يَحْصُلْ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ.

.النَّوْعُ (الثَّالِثُ): [شَرَطٌ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ الْبَيْعُ]:

(مَا) أَيْ شَرَطَ (لَا يَنْعَقِدُ مَعَهُ بَيْعٌ)، وَهُوَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ؛ (كَبِعْتُك) كَذَا إنْ جِئْتَنِي، أَوْ رَضِيَ زَيْدٌ بِكَذَا، (أَوْ اشْتَرَيْتُ) كَذَا (إنْ جِئْتَنِي)، أَوْ إنْ رَضِيَ زَيْدٌ، أَوْ إنْ (جَاءَ) رَأْسُ الشَّهْرِ مَثَلًا (كَذَا) بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَقْتَضِي نَقْلَ الْمِلْكِ حَالَ الْعَقْدِ، وَالشَّرْطُ يَمْنَعُهُ. (وَيَصِحُّ بِعْتُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ، (وَقَبِلْتُ إنْ شَاءَ اللَّهُ)؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّبَرُّكُ لَا التَّرَدُّدُ غَالِبًا. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ عَقْدٍ مُعَلَّقٍ عَلَى الْمَشِيئَةِ، (وَلَوْ) كَانَ إتْيَانُهُ بِهَا (لِلشَّكِّ)؛ لِعُمُومِ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ. وَيَتَّجِهُ (إنْ إجَارَةً) فِي ذَلِكَ (كَبَيْعٍ)؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ بَيْعُ الْعُرْبُونِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ، وَفِيهِ لُغَةٌ عَلَى وَزْنِ عُصْفُورٍ، وَيُقَالُ أَرْبُوَن، (وَ) يَصِحُّ (إجَارَتُهُ) إلَى الْعُرْبُونِ.
قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: لَا بَأْسَ بِهِ، فَعَلَهُ عُمَرُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَهُ. (وَهُوَ)؛ أَيْ: بَيْعُ الْعُرْبُونِ (دَفْعُ بَعْضِ ثَمَنٍ) فِي بَيْعٍ عَقَدَاهُ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَإِجَارَةُ الْعُرْبُونِ دَفْعُ بَعْضِ (أُجْرَةٍ بَعْدَ عَقْدِ) إجَارَةٍ (لَا قَبْلَهُ. وَيَقُولُ) مُشْتَرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٌ: (إنْ أَخَذْتُهُ)؛ أَيْ: الْمَبِيعَ أَوْ الْمُؤَجَّرَ، احْتَسِبْ مَا دَفَعْتُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ لَكَ. (أَوْ) يَقُولُ: إنْ (جِئْتُ بِالْبَاقِي) مِنْ ثَمَنٍ أَوْ أُجْرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ، (وَإِلَّا فَهُوَ)؛ أَيْ: مَا قَبَضْتَهُ (لَكَ)، (فـَ) يُحْتَسَبُ (مَا دَفَعَهُ) مِنْ الثَّمَنِ (أَوْ) الْأُجْرَةِ، (وَإِلَّا) يُوَفِّهِ (فـَ) الْعُرْبُونُ (لِبَائِعٍ وَمُؤَجِّرٍ)؛ لِمَا رَوَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ أَنَّهُ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ ابْنِ ابْنِهِ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ، وَإِلَّا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا.
قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ: تَذْهَبُ إلَيْهِ؟ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ؟ هَذَا عُمَرُ وَضَعَّفَ حَدِيثَ ابْنِ مَاجَهْ؛ أَيْ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعُرْبُونِ». (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ (هَذَا) الِاشْتِرَاطِ فِي بَيْعِ الْعُرْبُونِ وَإِجَارَتِهِ (إنْ قَيَّدَ) الْمُتَعَاقِدَانِ ذَلِكَ (بِزَمَنٍ) مُعَيَّنٍ؛ كَإِلَى شَهْرٍ مِنْ الْآنَ، (وَفَاتَ) ذَلِكَ الزَّمَنُ، (وَإِلَّا) يُقَيِّدَاهُ بِزَمَنٍ؛ (فـَ) لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَوْ الْمُؤَجِّرَ لَا يَدْرِي (إلَى مَتَى يَنْتَظِرُ)، فَالْإِطْلَاقُ لَا يُنَاسِبُ؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ طُولِ الْأَمَدِ بِلَا نِهَايَةٍ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ، وَالْمَذْهَبُ الصَّمْتُ، سَوَاءٌ قَبِلَهُ بِوَقْتٍ أَوْ لَا.
(وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ لَيْسَ لِبَائِعٍ وَمُؤَجِّرٍ لِزَامُهُ)؛ أَيْ: إلْزَامُ مُشْتَرٍ أَوْ مُسْتَأْجِرٍ (بـِ) دَفْعِ (بَقِيَّةِ ثَمَنٍ وَأُجْرَةٍ) فِي مُدَّةِ الِاشْتِرَاطِ، (وَإِنْ لَزِمَ عَقْدٌ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ (بِتَصَرُّفٍ؛ لِأَنَّهُ)؛ أَيْ: هَذَا الْعَقْدَ (يُشْبِهُ تَعْلِيقَ فَسْخٍ) عَلَى شَرْطٍ، (وَيَأْتِي). وَحَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ دَفْعُ الْبَقِيَّةِ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَمَامِ الْعَقْدِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (تَتِمَّةٌ) إذَا دَفَعَ إنْسَانٌ لِبَائِعٍ أَوْ مُؤَجِّرٍ قَبْلَ الْعَقْدِ دِرْهَمًا مَثَلًا، وَقَالَ: لَا تَعْقِدْ مَعَ غَيْرِي، وَإِنْ لَمْ آخُذْ فَالدِّرْهَمُ لَك، ثُمَّ عَقَدَ مَعَهُ وَاحْتَسَبَ الدِّرْهَمَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ؛ صَحَّ لِخُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ شَرْطٍ، وَإِلَّا رَجَعَ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ عِوَضٍ، وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا عَنْ انْتِظَارِهِ وَتَأْخِيرِهِ لِأَجْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ، وَلَوْ جَازَتْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ كَالْإِجَارَةِ.
وَ(لَا) يَصِحُّ بَيْعٌ إنْ رَهَنَهُ شَيْئًا، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ (إنْ جَاءَ لِمُرْتَهِنٍ بِحَقِّهِ) إلَى حُلُولِ ثَمَنِهِ، (وَ) إلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ؛ لِحَدِيثِ: «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» رَوَاه الْأَثْرَمُ، وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ بِذَلِكَ. وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ فَلَمْ يَصِحَّ لِمَا تَقَدَّمَ. وَمَنْ قَالَ لِقِنِّهِ: (إنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ) وَبَاعَهُ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ بِتَمَامِ قَبُولٍ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: إنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ،
(وَقَالَ آخَرُ: إنْ اشْتَرَيْتُهُ) مِنْك (فـَ) هُوَ (حُرٌّ، فَبَاعَهُ)؛ لِمَنْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك فَهُوَ حُرٌّ؛ (عَتَقَ عَلَى بَائِعٍ بِتَمَامِ قَبُولِ) مُشْتَرٍ، (وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكٌ) فِيهِ لِمُشْتَرٍ نَصَّا؛ لِأَنَّهُ يُعْتِقُ عَلَى الْبَائِعِ فِي حَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَنُفُوذِ الْعِتْقِ، وَيَتَدَافَعَانِ فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَيَشْهَدُ لَهَا تَشْبِيهُ أَحْمَدَ بِالْمُدَبَّرِ وَالْوَصِيَّةِ، وَفِيهَا طُرُقٌ خَمْسَةٌ هَذِهِ أَقْوَاهَا. وَحَيْثُ عَتَقَ فَمِنْ مَالِ الْبَائِعِ. وَقَوْلُهُ: بِتَمَامِ قَبُولِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ تَبَعًا لِلْمُغْنِي وَالْمُسْتَوْعِبِ عَتَقَ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ عَلَّقَ حُرِّيَّتَهُ عَلَى فِعْلِهِ لِلْبَيْعِ، فَمَتَى قَالَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ؛ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْحُرِّيَّةِ، فَيُعْتَقُ قَبْلَ قَبُولِ الْمُشْتَرِي. وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: خِلَافًا لَهُ؛ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَهُ؛ أَيْ: إنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، بَائِعٌ فَقَطْ، فَبَاعَهُ؛ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْقَبُولِ (أَوْ) قَالَهُ (مُشْتَرٍ فَقَطْ)؛ أَيْ: إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَاشْتَرَاهُ. (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ طَرِيقَةٌ سَادِسَةٌ، وَهِيَ (إنْ) كَانَ الْمُعَلِّقُ (قَصَدَ بِالتَّعْلِيقِ الْيَمِينَ) دُونَ التَّبَرُّرِ بِعِتْقِهِ، ثُمَّ بَاعَهُ؛ لَمْ يُعْتَقْ، وَ(أَجْزَأَهُ يَمِينٌ)؛ لِأَنَّهُ إذَا بَاعَهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ، فَبَقِيَ كَنَذْرِهِ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ غَيْرِهِ، فَيَجْزِيهِ الْكَفَّارَةُ، قَالَ: وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ؛ صَارَ عِتْقُهُ مُسْتَحَقًّا كَالنَّذْرِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَيَكُونُ الْعِتْقُ مُعَلَّقًا عَلَى صُورَةِ الْبَيْعِ؛ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَا لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ: إذَا بِعْتَهُ فَعَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ قَالَ لِأُمِّ وَلَدِهِ: إنْ بِعْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ لَكَ أَنَّ طَرِيقَةَ أَبِي الْخَطَّابِ أَقْوَى.
فَصْلٌ (وَمَنْ بَاعَ) شَيْئًا (بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) فِيمَا بَاعَهُ؛ لَمْ يَبْرَأْ، (أَوْ) بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ (مِنْ عَيْبِ كَذَا)، إنْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ (لَمْ يَبْرَأْ بَائِعٌ) بِذَلِكَ، وَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ بِعَيْبٍ لَمْ يُعْلَمْ حَالَةَ عَقْدٍ؛ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بَاعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَصَابَ زَيْدٌ بِهِ عَيْبًا، فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: تَحْلِفُ أَنَّكَ لَمْ تَعْلَمْ بِهَذَا الْعَيْبِ؟ قَالَ: لَا، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَبَاعَهُ ابْنُ عُمَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ. وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ اشْتَهَرَتْ، وَلَمْ تُنْكَرْ، فَكَانَتْ كَالْإِجْمَاعِ. وَأَيْضًا خِيَارُ الْعَيْبِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ قَبْلَهُ، كَالشُّفْعَةِ، (وَإِنْ سَمَّاهُ)؛ أَيْ: سَمَّى بَائِعٌ الْعَيْبَ لِمُشْتَرٍ؛ بَرِئَ مِنْهُ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ. (أَوْ أَبْرَأَهُ مُشْتَرٍ) مِنْ عَيْبِ كَذَا، أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ (بَعْدَ عَقْدٍ بَرَأَ مِنْهُ) بَائِعٌ؛ لِإِسْقَاطِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَهُ، كَالشُّفْعَةِ. (وَمَنْ بَاعَ مَا)؛ أَيْ: شَيْئًا (يُذْرَعُ) كَأَرْضٍ وَثَوْبٍ (عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ) أَذْرُعٍ، أَوْ أَشْبَارٍ أَوْ أَجْرِبَةٍ وَنَحْوِهَا، (فَبَانَ) الْمَبِيعُ (أَكْثَرَ) مِمَّا عَيَّنَ؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ، وَالزَّائِدُ لِبَائِعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ، كَالْعَيْبِ. (وَلِكُلٍّ) مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ (الْفَسْخُ)؛ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ، (مَا لَمْ يُعْطِ بَائِعٌ) لِمُشْتَرٍ (الزَّائِدَ مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ؛ فَيَسْقُطُ خِيَارُ مُشْتَرٍ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ زَادَهُ خَيْرًا. (وَإِنْ بَانَ) مَبِيعٌ أَنَّهُ عَشَرَةٌ (أَقَلَّ) مِنْهَا؛ (صَحَّ) الْبَيْعُ، (وَالنَّقْصُ) عَنْ الْعَشَرَةِ (عَلَى بَائِعٍ)؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ. (وَيُخَيَّرُ) بَائِعٌ (إنْ أَخَذَهُ)؛ أَيْ: الْمَبِيعَ النَّاقِصَ (مُشْتَرٍ بِقِسْطِهِ) مِنْ ثَمَنٍ، فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ، أَوْ فَسَخَ دَفْعًا لِضَرَرِهِ. (وَلَا) خِيَارَ لِبَائِعٍ (إنْ أَخَذَهُ) مُشْتَرٍ (بِجَمِيعِ الثَّمَنِ)؛ لِزَوَالِ ضَرَرِهِ إنْ لَمْ يَفْسَخْ مُشْتَرٍ الْبَيْعَ، وَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهُ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُ تَنْبِيهٌ لَوْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ، أَوْ زُبْرَةَ حَدِيدٍ عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَرْطَالٍ، فَبَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ؛ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَالزَّائِدُ لِبَائِعٍ مُشَاعًا، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْبَائِعِ؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ، وَإِنْ بَانَتْ الصُّبْرَةُ أَوْ الزُّبْرَةُ تِسْعَةً؛ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، وَيُنْقَصُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِ نَقْصِ الْبَيْعِ، وَلَا خِيَارَ لَهُمَا أَيْضًا، بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُنْقِصُهُ التَّفْرِيقُ. (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفٌ فِي مَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِهِ، فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفٌ (بِغَيْرِ عِتْقٍ)، فَيَنْفُذُ لِقُوَّتِهِ وَسَرَيَانِهِ وَتَشَوُّقِ الشَّارِعِ إلَيْهِ، وَمَحَلُّ عَدَمِ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي مَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مَنْ يَرَاهُ، وَإِلَّا نَفَذَ. (وَيُضْمَنُ) مَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا (تَلِفَ هُوَ وَزِيَادَتُهُ) الْمُتَّصِلَةُ وَالْمُنْفَصِلَةُ؛ (كَمَغْصُوبٍ) بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلِفَ بِبَلَدٍ قَبَضَهُ فِيهِ، إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَإِلَّا فَبِمِثْلِهِ، وَ(لَا) يُضْمَنُ (بِالثَّمَنِ) الَّذِي يَبِيعُ بِهِ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ. (فَسِلَاحٌ بِيعَ فِي فِتْنَةٍ)، أَوْ لِأَهْلِ حَرْبٍ، (وَنَحْوُ عِنَبٍ)، كَتَمْرٍ (وَعَصِيرٍ لِخَمْرٍ، وَفَاتَ؛ يُضْمَنُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ) بِمَحَلِّ فَوَاتِهِ، (وَيَلْزَمُ) مُشْتَرِيًا (رَدُّهُ) حَيْثُ كَانَ (بَاقِيًا، بِنَمَائِهِ مُطْلَقًا) مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، (وَ) رَدُّ (أُجْرَةِ مِثْلِهِ) مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي يَدِهِ، انْتَفَعَ بِهِ أَوْ لَا، (وَ) يَلْزَمُهُ (مَئُونَةُ رَدِّهِ)، وَإِنْ نَقَصَ بِيَدِهِ ضَمِنَ نَقْصَهُ، (وَلَا يَرْجِعُ) مُشْتَرٍ (بِنَفَقَتِهِ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ (وَلَا بِخَرَاجِ أَرْضٍ) مُدَّةَ بَقَائِهَا بِيَدِهِ. (وَلَا حَدَّ) عَلَى مُشْتَرٍ (بِوَطْءِ أَمَةٍ) اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ؛ لِلشُّبْهَةِ. (وَيَتَّجِهُ) لَا حَدَّ عَلَيْهِ (إلَّا فِي) وَطْءِ أَمَةٍ بِيعَتْ بِعَقْدٍ (مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ لِعَالِمٍ) بِذَلِكَ، فَإِذَا وَطِئَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ إجْمَاعًا؛ حُدَّ؛ لِأَنَّهُ زَانٍ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (بَلْ) يَلْزَمُ مِنْ وَطْءِ أَمَةٍ اشْتَرَاهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (مَهْرُ مِثْلٍ، وَأَرْشُ بَكَارَةٍ)، فَلَا يُتَدَرَّجُ فِي مَهْرِهَا، بِخِلَافِ الْحُرَّةِ (وَالْوَلَدُ حُرٌّ)؛ لِلشُّبْهَةِ، (وَعَلَيْهِ إنْ وُلِدَ حَيًّا قِيمَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى مَالِكِهِ بِاعْتِقَادِهِ الْحُرِّيَّةَ (يَوْمَ وُضِعَ)؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ، (وَإِلَّا) يُولَدْ حَيًّا، بَلْ سَقَطَ مَيِّتًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ؛ (فـَ) عَلَى مُشْتَرٍ ضَمَانُ (نَقْصِ وِلَادَةِ) أَمَةٍ (فَقَطْ)، دُونَ ضَمَانِهِ هُوَ كَنَقْصِ مَغْصُوبَةٍ، (وَإِنْ مُلِكَتْ)؛ أَيْ: مَلَكَهَا وَاطِئُهَا فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ (بَعْدَ) أَنْ حَمَلَتْ مِنْهُ؛ (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ بِذَلِكَ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا حِينَئِذٍ (وَيَتَّجِهُ: لَوْ بَاعَهُ)؛ أَيْ: الْمَقْبُوضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (قَابِضُهُ لِآخَرَ، فَلِمَالِكِ) رَقَبَةٍ (مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِهِ) إنْ كَانَ بَاقِيًا، (وَ) إنْ تَلِفَ فَ (قَرَارُ ضَمَانٍ عَلَى تَالِفٍ عِنْدَهُ) مِنْهُمَا.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ تَفْصِيلَهُ كَغَصْبٍ كَمَا يَأْتِي) فِي بَابِهِ (إلَّا فِي صِحَّةِ عِبَادَةٍ فِيهِ)، فَتَنْعَقِدُ صَحِيحَةً وَلَا تُعَادُ؛ (لِإِعْرَاضِ رَبِّهِ عَنْهُ بِطِيبِ نَفْسٍ) مِنْهُ، فَفَارَقَ الْغَصْبَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ لَوْ بَانَ مَبِيعٌ حُرًّا يَغْرَمُ مُشْتَرٍ لَهُ)؛ أَيْ: لِلْحُرِّ الْمَبِيعِ (أُجْرَةَ عَمَلِهِ، إنْ جَهِلَ) الْمَبِيعُ (حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ)، أَوْ أَكْرَهَهُ مُشْتَرٍ (عَلَيْهِ)؛ أَيْ: عَلَى الْعَمْدِ، (وَلَوْ أَجَّرَ) مُشْتَرٍ؛ (غَرِمَ مُسْتَأْجِرٌ) لِلْحُرِّ أُجْرَةَ عَمَلِهِ، (لَكِنْ يَرْجِعُ) الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِمَا دَفَعَهُ) لِلْحُرِّ (أُجْرَةً)؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي غُرْمِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَرْعٌ): [حُرمةُ تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ]:

(يَحْرُمُ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ (تَعَاطِي عُقُودٍ فَاسِدَةٍ)؛ إذَا كَانَ عَالِمًا بِفَسَادِهَا، وَلَمْ يُقَلِّدْ مَنْ يَرَى صِحَّتَهَا، فَإِنْ قَلَّدَ؛ جَازَ، (وَالنَّاسُ وَاقِعُونَ فِي ذَلِكَ)، يَتَعَاطَوْنَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ، تَهَاوُنًا مِنْهُمْ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

.(بَابُ الْخِيَارِ) فِي الْبَيْعِ:

وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَمَا يَحْصُلُ بِهِ قَبْضُهُ، وَالْإِقَالَةُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (الْخِيَارُ اسْمُ مَصْدَرِ اخْتَارَ) يَخْتَارُ اخْتِيَارًا لَا مَصْدَرُهُ؛ لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ عَلَى الْفِعْلِ (وَهُوَ)؛ أَيْ: الْخِيَارُ (طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إمْضَاءٍ أَوْ فَسْخٍ، وَأَقْسَامُهُ)؛ أَيْ: الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِحَسَبِ أَسْبَابِهِ (ثَمَانِيَةٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ. (أَحَدُهَا خِيَارُ مَجْلِسٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ، مَوْضِعُ الْجُلُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَكَانُ التَّبَايُعِ. (وَيَثْبُتُ) خِيَارُ مَجْلِسٍ (فِي بَيْعٍ) عِنْدَ أَشْهَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ؛ لِحَدِيثِ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَقَوْلُ عُمَرَ: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ مَعْنَاهُ تَقْسِيمُ الْبَيْعِ إلَى مَا شُرِطَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ، سَمَّاهُ صَفْقَةً؛ لِقَصْرِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ مِثْلَ مَذْهَبِنَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ قَبْلَهُ غَالِبًا، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خِيَارٍ بَعْدَهُ. (غَيْرَ كِتَابَةٍ)، فَلَا خِيَارَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْعِتْقِ.
(وَ) (تَوَلِّي طَرَفَيْ عَقْدِ) بَيْعٍ، بِأَنْ انْفَرَدَ بِالْبَيْعِ وَاحِدٌ لِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ، كَالشَّفِيعِ. وَ[غَيْرَ] (شِرَاءِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِنَسَبٍ)؛ كَقَرِيبِهِ، (أَوْ قَوْلٍ) أَوْ تَعْلِيقٍ؛ كَإِنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ؛ كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ. (أَوْ اعْتِرَافٍ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ شِرَائِهِ)؛ لِأَنَّهُ اسْتِنْقَاذٌ، لَا شِرَاءٌ حَقِيقَةً؛ لِاعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، (أَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ)، كَقَوْلِ بَائِعٍ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَنَا، فَيَقُولُ مُشْتَرٍ: قَبِلْتُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُمْ، أَوْ أَسْقَطَا الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ. (وَكَبَيْعٍ) فِي ثُبُوتِ خِيَارِ مَجْلِسٍ، فِيهِ (صُلْحٌ) بِمَعْنَى بَيْعٍ؛ بِأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ، (وَ) كَبَيْعِ (قِسْمَةٍ) بِمَعْنَى بَيْعٍ- وَهِيَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي- (وَ) كَبَيْعِ (هِبَةٍ بِمَعْنَاهُ)- وَهِيَ الَّتِي فِيهَا عِوَضٌ مَعْلُومٌ- فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، كَالْبَيْعِ، (وَ) كَبَيْعِ (إجَارَةٍ) عَلَى عَيْنٍ؛ كَدَارٍ وَحَيَوَانٍ، أَوْ عَلَى نَفْعٍ فِي الذِّمَّةِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، (وَكَذَا مَا)؛ أَيْ: عَقْدٌ (قَبَضَهُ)؛ أَيْ: الْعِوَضَ فِيهِ، (شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ)؛ أَيْ: لِدَوَامِهَا؛ (كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ) (وَ) بَيْعٍ (رِبَوِيٍّ) مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ (بِرِبَوِيٍّ)؛ كَبَيْعِ بُرٍّ بِبُرٍّ مِثْلِهِ، أَوْ شَعِيرٍ؛ فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَوْضِعَهُ النَّظَرُ فِي الْحَظِّ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا. وَلَا يَثْبُتُ خِيَارُ مَجْلِسٍ (فِي حَوَالَةٍ)؛ لِاسْتِقْلَالِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهَا، (وَ) لَا فِي (وَقْفٍ، وَإِقَالَةٍ، وَأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ، وَنِكَاحٍ، وَإِبْرَاءٍ، وَعِتْقٍ، وَضَمَانٍ، وَتَلْزَمُ) هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ جَمِيعُهَا (فِي الْحَالِ). (وَلَا) خِيَارَ أَيْضًا فِي (قَرْضٍ، وَرَهْنٍ، وَهِبَةٍ بَعْدَ قَبْضٍ، وَلَا) خِيَارَ (فِي مُسَاقَاةٍ، وَمُزَارَعَةٍ، وَجَعَالَةٍ، وَوَكَالَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَمُضَارَبَةٍ، وَعَارِيَّةٍ، الْوَدِيعَةٍ، وَسَبْقٍ؛ بَلْ هِيَ عُقُودٌ جَائِزَةٌ، لِكُلٍّ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ)؛ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ. (وَيَبْقَى خِيَارُ مَجْلِسٍ) حَيْثُ ثَبَتَ. (وَلَوْ أَقَامَا)؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَانِ (سَنَةً إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا)؛ لِلْخَبَرِ، بِمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا (عُرْفًا)؛ لِإِطْلَاقِ الشَّارِعِ التَّفَرُّقَ وَعَدَمِ بَيَانِهِ؛ فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ؛ كَالْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ. (بِأَبْدَانِهِمَا اخْتِيَارًا)، فَإِنْ حُجِزَ بَيْنَهُمَا بِنَحْوِ حَائِطٍ، أَوْ نَامَا؛ لَمْ يَعُدْ تَفَرُّقًا؛ لِبَقَائِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا بِمَحَلِّ عَقْدٍ، وَخِيَارُهُمَا بَاقٍ- وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ قَامَا كَرْهًا- لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ. (وَلَوْ) كَانَ تَفَرُّقُهُمَا (بِهَرَبِ أَحَدِهِمَا)؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ (مِنْ صَاحِبِهِ)؛ فَيَبْطُلُ الْخِيَارُ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ مَشَى أَحَدُهُمَا، أَوْ فَرَّ؛ لِيَلْزَمَ الْعَقْدُ قَبْلَ اسْتِقَالَةِ الْآخَرِ وَفَسْخِهِ وَرِضَاهُ؛ حَرُمَ، وَبَطَلَ خِيَارُ الْآخَرِ فِي الْأَشْهَرِ.
وَ(لَا) يَبْطُلُ خِيَارُهُمَا إنْ تَفَرَّقَا (مَعَ إكْرَاهٍ) لَهُمْ أَوْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّفَرُّقِ؛ بَلْ يَبْقَى الْخِيَارُ إلَى زَوَالِ الْإِكْرَاهِ (أَوْ) تَفَرَّقَا بِحُدُوثِ (فَزَعٍ مِنْ مَخُوفٍ)؛ كَسَبُعٍ أَوْ ظَالِمٍ خَشِيَاهُ؛ فَهَرَبَا مِنْهُ، (أَوْ) تَفَرَّقَا مَعَ (إلْجَاءٍ)؛ كَتَفَرُّقٍ (بِسَيْلٍ) أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهِمَا، (أَوْ) تَفَرَّقَا مَعَ (حِمْلٍ) لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا مِنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، أَوْ فَرَّقَتْهُمَا رِيحٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ وَالْمُلْجَأِ كَعَدَمِهِ، (إلَّا إنْ تَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسٍ زَالَ فِيهِ ذَلِكَ) الْإِكْرَاهُ أَوْ الْإِلْجَاءُ، (فَإِنْ أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا؛ بَقِيَ خِيَارُهُ) إلَى زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَالتَّفَرُّقِ مِنْ مَجْلِسٍ زَالَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ (فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ خِيَارِ صَاحِبِهِ. (وَإِنْ أَسْقَطَاهُ)؛ أَيْ: الْخِيَارَ (بَعْدَ عَقْدٍ) [قَبْلَ] تَفَرُّقِهِمَا؛ (سَقَطَ)؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُسْقِطِ بِعَقْدِ الْمَبِيعِ، فَسَقَطَ بِإِسْقَاطِهِ؛ كَالشُّفْعَةِ؛ (كَقَوْلِ كُلٍّ) مِنْهُمَا [اخْتَرْتُ] (إمْضَاءَ الْعَقْدِ، أَوْ) اخْتَرْتُ (الْتِزَامَهُ، أَوْ) اخْتَرْتُ (إبْطَالَ الْخِيَارِ، وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْإِسْقَاطِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا؛ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ»؛ أَيْ: لَزِمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّخَايُرُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاحِدٌ، فَلَوْ قَالَ بَائِعٌ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَنَا، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْت، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُمَا. (وَإِنْ أَسْقَطَهُ) أَيْ الْخِيَارَ (أَحَدُهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ؛ بَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ، (أَوْ قَالَ) أَحَدُهُمَا (لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ؛ سَقَطَ) خِيَارُ الْقَائِلِ (وَبَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ)؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ». (وَتَحْرُمُ فُرْقَةٌ خَشْيَةَ اسْتِقَالَةٍ)؛ أَيْ: خَشْيَةَ أَنْ يَفْسَخَ صَاحِبُهُ الْبَيْعَ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ؛ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» رَوَاه الْأَثْرَمُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ يَمْشِي خُطُوَاتٍ؛ لِيَلْزَمَ الْبَيْعُ [مَحْمُولٌ] عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ، أَوْ عَلَى إلْزَامِ نَفْسِهِ حَتَّى لَا تُرَاوِدَهُ بِالرَّدِّ؛ لَا عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِقَالَةِ، وَهَذَا أَوْلَى (وَيَنْقَطِعُ خِيَارُ) مَجْلِسٍ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ أَعْظَمُ الْفُرْقَتَيْنِ. (وَلَا يَنْقَطِعُ خِيَارُ مَجْنُونٍ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ، وَهُوَ)؛ أَيْ: الْمَجْنُونُ (عَلَى خِيَارِهِ إذَا أَفَاقَ) مِنْ جُنُونِهِ، (وَلَا يَثْبُتُ) الْخِيَارُ (لِوَلِيِّهِ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْمَبِيعِ وَعَدَمَهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ إلَّا فِي جُنُونٍ مُطْبِقٍ)؛ فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِوَلِيِّهِ حِينَئِذٍ؛ لِلْيَأْسِ مِنْ إفَاقَتِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ مَرْجُوجٍ يَأْتِي قَرِيبًا. (وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ؛ (قَامَتْ إشَارَتُهُ مَقَامَ نُطْقِهِ)؛ لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نُطْقُهُ، (فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ) إشَارَتُهُ، (أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْأَخْرَسُ؛ (قَامَ وَلِيُّهُ) أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ (مَقَامَهُ)، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَلَمْ يُعَلِّلْهُ، وَلَعَلَّهُ إلْحَاقًا [بِالسَّفِيهِ]، لَكِنْ يَأْتِي فِي الْحَجْرِ أَنَّ مَنْ جُنَّ؛ لَا يَنْظُرُ فِي مَالِهِ إلَّا الْحَاكِمُ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَلَى الصَّحِيحِ [مِنْ] الْمَذْهَبِ تَنْبِيهٌ: لَوْ أَلْحَقَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ خِيَارًا بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، لَمْ يَلْحَقْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الشُّرُوطِ صُلْبُ الْعَقْدِ. (وَيَخْتَلِفُ عُرْفُ تَفَرُّقٍ بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِ بَيْعٍ)؛ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ (بِفَضَاءٍ وَاسِعٍ، أَوْ مَسْجِدٍ كَبِيرٍ)- إنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فِيهِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَصِحُّ- (أَوْ) فِي (سُوقٍ)؛ فَالتَّفَرُّقُ (بِمَشْيِ أَحَدِهِمَا مُسْتَدْبِرًا لِصَاحِبِهِ خُطُوَاتٍ)- جَمْعُ خُطْوَةٍ- قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ تَفْرِقَةِ الْأَبَدَانِ، فَقَالَ: إذَا أَخَذَ هَذَا كَذَا أَوْ أَخَذَ هَذَا كَذَا فَقَدْ تَفَرَّقَا، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقِيلَ: بَلْ يَبْعُدُ (بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ كَلَامُهُ الْمُعْتَادُ). قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ.
(وَ) إنْ كَانَ الْبَيْعُ (بِسَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ) فَبِصُعُودِ أَحَدِهِمَا لِأَعْلَاهَا؛ أَوْ نُزُولِهِ لِأَسْفَلِهَا (وَبِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ) فَبِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا مِنْهَا، وَيَمْشِي.
(وَ) كَانَ (فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ ذَاتِ مَجَالِسَ وَبُيُوتٍ)، فَالتَّفَرُّقُ (بِخُرُوجِهِ)؛ أَيْ: أَحَدِهِمَا (مِنْ بَيْتٍ) إلَى بَيْتٍ (أَوْ مِنْ مَجْلِسٍ لِآخَرَ)، أَوْ مِنْ صُفَّةٍ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ، (وَ) إنْ كَانَا (فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ؛ فَبِصُعُودِ أَحَدِهِمَا السَّطْحَ، أَوْ خُرُوجِهِ مِنْهَا) (وَلَا يَحْصُلُ) تَفَرُّقٌ (بِبِنَاءِ حَائِطٍ بَيْنَهُمَا)؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ فِي الْمَجْلِسِ؛ (وَلَا إنْ نَامَا فِيهِ)، أَوْ قَامَا مِنْهُ، (وَمَشَيَا جَمِيعًا)، وَلَمْ يَتَفَرَّقَا؛ لِبَقَائِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا بِمَحَلِّ الْعَقْدِ. (وَيَتَّجِهُ لَوْ) كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي بَلْدَتَيْنِ، أَوْ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ مِنْهَا، (فَتَبَايَعَا بِمُكَاتَبَةٍ)؛ فَيَحْصُلُ تَفَرُّقُهُمَا (بِمُفَارَقَةِ مَجْلِسٍ) وَقَعَ فِيهِ (قَبُولٌ) مِنْ مُشْتَرٍ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ وَلِيِّهِ، (أَوْ) تَبَايَعَا (بِمُنَادَاةٍ مِنْ بُعْدٍ)- بِضَمِّ الْبَاءِ- فَيَحْصُلُ التَّفَرُّقُ (بِمُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا مَكَانَهُ) الَّذِي نُودِيَ [فِيهِ]
، وَهُوَ فِيهِ (بِحَيْثُ لَوْ كَانَ) الْآخَرُ (مَعَهُ) فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ (عُدَّ)؛ أَيْ: عَدَّهُ الْعُرْفُ (تَفَرُّقًا).
(وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ يُصَدَّقُ مُنْكِرٌ) مِنْهُمَا (عَدَمَ تَفَرُّقٍ بِيَمِينِهِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، (وَكَذَا لَوْ ادَّعَى) أَحَدُهُمَا (بَعْدَ تَفَرُّقٍ) مِنْ مَجْلِسِ عَقْدٍ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ (الْفَسْخُ قَبْلَهُ)؛ أَيْ: قَبْلَ التَّفَرُّقِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ أَيْضًا (أَنَّهُ لَوْ اتَّفَقَا عَلَى عَدَمِ تَفَرُّقٍ؛ فَدَعْوَى الْفَسْخِ) مِنْ أَحَدِهِمَا (فَسْخٌ) لِلْعَقْدِ، فَلَا يُكَلَّفُ مُدَّعِي ذَلِكَ إلَى بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ: (خِيَارُ شَرْطٍ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَاهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ)؛ أَيْ: خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةٍ حَالَ الْعَقْدِ (إلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ- وَإِنْ طَالَ) الْأَمَدُ- لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». (وَيَتَّجِهُ لَا) إنْ كَانَ طُولُهُ خَارِجًا عَنْ الْعَادَةِ؛ (كَأَلْفِ سَنَةٍ وَمِائَةِ) سَنَةٍ كَذَلِكَ؛ (لِإِفْضَائِهِ)؛ أَيْ: الشَّرْطِ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ، (لِلْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ) فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (الْمُنَافِي لِلْعَقْدِ) الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ إرْفَاقًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَيَصِحُّ) الشَّرْطُ، وَلَوْ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ حَتَّى يُعْتَمَدَ الشَّرْطُ، فَرَجَعَ فِي تَقْدِيرِهِ إلَى مُشْتَرِطِهِ؛ كَالْأَجَلِ. وَلَمْ يَثْبُتْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: مِنْ تَقْدِيرِهِ بِثَلَاثٍ، وَرَوَى أَنَسٌ خِلَافَهُ. (وَلَوْ) كَانَ الْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ (فِيمَا) أَيْ: عَقْدِ بَيْعٍ (يَفْسُدُ) مَعْقُودٌ عَلَيْهِ قَبْلَهُ؛ أَيْ: قَبْلَ انْتِهَاءِ أَمَدِ الْخِيَارِ؛ كَأَنْ تَبَايَعَا طَبِيخًا، وَشَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمَيْنِ؛ فَيَصِحُّ، (وَيُبَاعُ) الطَّبِيخُ؛ أَيْ: يَبِيعُهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، (وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ إلَيْهِ)؛ أَيْ: إلَى مُضِيِّ الْخِيَارِ، فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ مُضِيِّهِ؛ أَخَذَهُ بَائِعٌ، وَإِلَّا؛ أَخَذَهُ مُشْتَرٍ، عَلَى قِيَاسِ مَا يَأْتِي فِي رَهْنِ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ عَلَى مُؤَجَّلٍ. وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ خِيَارٍ (فِي عَقْدِ) بَيْعٍ جُعِلَ (حِيلَةً؛ لِيَرْبَحَ) فِي ثَمَنِ تَرْكِ مَنْزِلِهِ (قَرْضًا) بِسَبَبِ الْخِيَارِ (فَيَحْرُمُ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَرْضٍ يَجُرُّ نَفْعًا، (وَلَا يَحِلُّ تَصَرُّفُهُمَا)؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي ثَمَنٍ وَلَا مُثَمَّنٍ، وَلَا خِيَارَ لَهُمَا.
قَالَ (الْمُنَقِّحُ: فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ)؛ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا- وَهُوَ يَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ بِمَا أَقْرَضَهُ لَهُ- فَاشْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا بِمَا أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَهُ لَهُ، وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَلَمْ يُرِدْ الْحِيلَةَ عَلَى الرِّبْحِ فِي الْقَرْضِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: جَائِزٌ، فَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ؛ فَلَا خِيَارَ لِوَرَثَتِهِ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ: جَائِزٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَبِيعٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِإِتْلَافِهِ؛ كَنَقْدٍ وَبُرٍّ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَنْتَفِعُ بِالْمَبِيعِ مُدَّةَ الْخِيَارِ؛ لِكَوْنِهِ بِيَدِ الْبَائِعِ مُدَّتَهُ؛ فَلَا يَجُرُّ قَرْضُهُ نَفْعًا؛ فَلَا حِيلَةَ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى مُحَرَّمٍ. (وَيَثْبُتُ) خِيَارُ الشَّرْطِ (فِيمَا ثَبَتَ فِيهِ خِيَارُ مَجْلِسٍ)؛ كَبَيْعٍ، وَصُلْحٍ بِمَعْنَاهُ، وَقِسْمَةٍ بِمَعْنَاهُ، وَهِبَةٍ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ.
(وَ) يَثْبُتُ (فِي إجَارَةٍ) فِي ذِمَّةٍ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ إجَارَةٍ (مُدَّةً لَا تَلِي الْعَقْدَ)، إنْ انْقَضَى قَبْلَ دُخُولِهَا؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَهُ دَارِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ فِي سَنَةِ اثْنَيْنِ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ مُدَّةً مَعْلُومَةً تَنْقَضِي قَبْلَ دُخُولِ سَنَةِ ثَلَاثٍ، فَإِنْ وَلِيَتْهُ، أَوْ دَخَلَتْ فِي مُدَّةِ إجَارَةٍ؛ فَلَا؛ لِأَدَائِهِ إلَى فَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، أَوْ اسْتِيفَائِهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ ضَمَانٍ وَغَيْرِهِ.
وَ(لَا) يَثْبُتُ خِيَارُ شَرْطٍ (فِيمَا)؛ أَيْ: مَبِيعٍ (قَبَضَهُ)؛- أَيْ: قَبَضَ عِوَضَهُ- (شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ)؛ أَيْ: الْعَقْدِ؛ (كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ) وَرِبَوِيٍّ بِرِبَوِيٍّ- وَلَوْ قَبَضَ- لِأَنَّ وَصْفَهَا عَلَى أَنْ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عُلْقَةٌ بَعْدَ التَّفَرُّقِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ، وَثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهَا؛ يُنَافِي ذَلِكَ؛ فَيَلْغُو الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ. (وَيَتَّجِهُ وَيَبْطُلُ بَيْعُ) مَبِيعٍ، قَبْضُ عِوَضِهِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ، إذَا شُرِطَ فِيهِ خِيَارٌ؛ (لِعَدَمِ حُلُولٍ) كَذَا قَالَ: وَتَقَدَّمَ لَكَ آنِفًا أَنَّهُ يَلْغُو الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَابْتِدَاءُ أَمَدِ خِيَارِ) الشَّرْطِ (مِنْ عَقْدٍ) شُرِطَ فِيهِ؛ كَأَجَلِ ثَمَنٍ، فَإِنْ شُرِطَ بَعْدَ عَقْدِ زَمَنِ الْخِيَارَيْنِ، فَمِنْ حِينِ شُرِطَ، وَإِنْ شُرِطَ مِنْ تَفَرُّقٍ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِجَهَالَتِهِ. (وَيَسْقُطُ) خِيَارُ شَرْطٍ (بِأَوَّلِ الْغَايَةِ، فَإِنْ مَضَتْ) الْغَايَةُ (قَبْلَ تَفَرُّقٍ؛ بَقِيَ خِيَارُ مَجْلِسٍ)، فَإِنْ شُرِطَ إلَى رَجَبٍ؛ سَقَطَ بِأَوَّلِهِ، (وَإِلَى صَلَاةٍ) مَكْتُوبَةٍ؛ كَالظُّهْرِ مَثَلًا؛ سَقَطَ (بِدُخُولِ وَقْتِهَا)؛ كَمَا إذَا شُرِطَ إلَى (الْغَدِ)؛ فَيَسْقُطُ (بِطُلُوعِ فَجْرِهِ، وَ) إنْ شُرِطَ (بِطُلُوعِ شَمْسٍ، أَوْ إلَى غُرُوبِهَا، وَيَشُكُّ فِيهِ)؛ أَيْ: الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ؛ فَيَصِحُّ الشَّرْطُ، وَلَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ (حَتَّى يَتَعَيَّنَ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ، وَإِنْ جُعِلَ الْخِيَارُ (إلَى طُلُوعِهَا)؛ أَيْ: الشَّمْسِ (مِنْ تَحْتِ غَيْمٍ)؛ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ إلَى غَيْبَتِهَا تَحْتَهُ؛ (لَمْ يَصِحَّ) شَرْطُ الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ؛ (لِجَهَالَتِهِ)؛ كَمَا لَوْ شُرِطَ (نُزُولُ الْمَطَرِ وَقُدُومُ زَيْدٍ) وَهُبُوبُ رِيحٍ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَاهُ (لِحَصَادٍ وَنَحْوِهِ)؛ كَجُذَاذٍ؛ فَيَلْغُوَا الشَّرْطُ (وَيَصِحُّ الْبَيْعُ)؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ، (وَإِنْ شَرَطَاهُ)؛ أَيْ: الْخِيَارَ شَهْرًا، مَثَلًا (يَوْمًا) يَثْبُتُ، (وَيَوْمًا) لَا يَثْبُتُ؛ (صَحَّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ) لَا مَكَانَهُ (فَقَطْ)؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؛ لَمْ يَعُدْ إلَى الْجَوَازِ. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ شَرْطِ يَوْمٍ لَهُمَا)؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ، (وَيَوْمٍ لِأَجْنَبِيٍّ) عَنْهُمَا، أَوْ شُرِطَ (يَوْمٌ لِأَجْنَبِيٍّ وَثَانِيهِ)؛ أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمُ (لِأَجْنَبِيٍّ آخَرَ)؛ أَيْ: مَعَهُمَا، لَا دُونَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَصِحُّ شَرْطُهُ)؛ أَيْ: الْخِيَارِ (لَهُمَا)؛ أَيْ: الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُهُ (مُتَفَاوِتًا)؛ كَأَنْ يَشْرِطَاهُ لِأَحَدِهِمَا مُدَّةً وَلِلْآخَرِ دُونَهَا، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُهُ (لِأَحَدِهِمَا) دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمَا، وَإِنَّمَا جُوِّزَ؛ رِفْقًا بِهِمَا، فَكَيْفَمَا تَرَاضَيَا بِهِ جَازَ. وَيَصِحُّ شَرْطُ بَائِعَيْنِ غَيْرِ وَكِيلَيْنِ الْخِيَارَ (لِغَيْرِهِمَا)، [أَيْ: غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، (وَلَوْ) كَانَ الْغَيْرُ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْخِيَارُ (الْمَبِيعَ)؛ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا قِنًّا]، وَشَرَطَا لَهُ الْخِيَارَ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، (وَيَكُونُ) جَعْلُ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ (اشْتِرَاطًا لِنَفْسِهِ وَتَوْكِيلًا)؛ [لَهُ فِيهِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَقَامَاهُ مَقَامَ نَفْسَيْهِمَا؛ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الْخِيَارِ لِوَكِيلٍ دُونَهُمَا]؛ أَيْ: دُونَ الْمُتَبَايِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْحَظِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. فَلَا يَكُونُ لِمَنْ لَا حَظَّ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا صِحَّةُ جَعْلِهِ لِلْمَبِيعِ؛ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ. (فَلَوْ شَرَطَهُ وَكِيلٌ لِنَفْسِهِ؛ ثَبَتَ) الْخِيَارُ (لَهُمَا)، فَيَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِتَعَلُّقِ حُقُوقِ الْعَقْدِ بِهِ، وَيَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَ مُوَكِّلِهِ فِي الْبَيْعِ، وَالْخِيَارُ مِنْ تَعَلُّقَاتِهِ؛ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَكِيلُ. قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ شَرَطَهُ الْوَكِيلُ (لِنَفْسِهِ دُونَ مُوَكِّلِهِ)؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَجْنَبِيٍّ دُونَهُ، (أَوْ) شَرَطَ الْوَكِيلُ (لِأَجْنَبِيٍّ؛ لَمْ يَصِحَّ) الشَّرْطُ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ دُونِي؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، (وَ) يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لِمُتَعَاقِدَيْنِ- وَلَوْ كَانَا وَكِيلَيْنِ- لِأَنَّ النَّظَرَ فِي تَحْصِيلِ الْحَظِّ مُفَوَّضٌ إلَى الْوَكِيلِ (وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرَا)؛ أَيْ: يَأْمُرْ الْمُوَكِّلَانِ الْوَكِيلَيْنِ (بِهِ)؛ أَيْ: شَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِمَا مَرَّ: أَنَّ شَرْطَ الْحَظِّ مُفَوَّضٌ إلَى الْوَكِيلِ. وَيَصِحُّ شَرْطُ خِيَارٍ (فِي مَبِيعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَبِيعَيْنِ بِعَقْدٍ) وَاحِدٍ؛ كَمَا لَوْ تَبَايَعَا عَبْدَيْنِ صَفْقَةً، وَشَرَطَا الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَ مَا بَيْنَ مَبِيعٍ فِيهِ الْخِيَارُ، وَمَبِيعٍ لَا خِيَارَ فِيهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى شِرَاءِ مَا فِيهِ شُفْعَةٌ، وَمَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ، (وَمَتَى فُسِخَ) الْبَيْعُ (فِيهِ)؛ أَيْ: فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ مِنْهُمَا؛ (رَجَعَ) مُشْتَرٍ أَقْبَضَ ثَمَنَهُمَا. (بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ)؛ كَمَا لَوْ رُدَّ أَحَدُهُمَا لِعَيْبِهِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْبَضَهُ؛ سَقَطَ عَنْهُ بِقِسْطِهِ، وَدَفَعَ الْبَاقِيَ. (وَيَخْتَصُّ خِيَارُ مَجْلِسٍ بِوَكِيلٍ) حَيْثُ لَمْ يَحْضُرْ الْمُوَكِّلُ؛ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، (فَإِنْ حَضَرَ مُوَكِّلٌ) بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ، (وَحَجَرَ عَلَى وَكِيلِهِ فِي خِيَارٍ؛ رَجَعَ الْخِيَارُ) حَقِيقَةً (لِمُوَكِّلٍ)؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ، (وَلَا يَفْتَقِرُ فَسْخُ مَنْ يَمْلِكُهُ) مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (لِحُضُورِ صَاحِبِهِ) الْعَاقِدِ مَعَهُ، (وَلَا) إلَى (رِضَاهُ). هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ حَلَّ عَقْدٌ جُعِلَ إلَيْهِ؛ فَجَازَ فِي غَيْبَةِ صَاحِبِهِ، وَمَعَ سَخَطِهِ؛ كَالطَّلَاقِ. (وَلَا فَسْخَ لِمُحْرِمٍ فِي صَيْدٍ) بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ أَحْرَمَ فِي مُدَّتِهِ؛ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ (قَبْلَ حِلِّهِ) مِنْ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءً تَمْلِيكٌ لِلصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَحْظُورَاتِهِ. (وَيَجِبُ) الْفَسْخُ (فِي لُقَطَةٍ) بَاعَهَا الْمُلْتَقِطُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَتَعْرِيفِهَا فِيهِ، ثُمَّ (عَرَفَ رَبَّهَا) فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ فَعَلَى الْمُلْتَقِطِ فَسْخُ الْمَبِيعِ فِي الْحَالِ، وَرَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي.
وَ(لَا) يَجِبُ الْفَسْخُ (فِي صَدَاقٍ) بَاعَتْهُ الزَّوْجَةُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، ثُمَّ (سَقَطَ) الصَّدَاقُ بِتَطْلِيقِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهَا عَلَى ذَلِكَ بِالْعَقْدِ مَعَهَا؛ بِخِلَافِ رَبِّ اللُّقَطَةِ مَعَ الْمُلْتَقِطِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ، (وَعَنْهُ)؛ أَيْ: الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: (لَا فَسْخَ لِبَائِعٍ إلَّا بِرَدِّ الثَّمَنِ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ؛ (كَالشَّفِيعِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: وَكَذَا التَّمَلُّكَاتُ الْقَهْرِيَّةُ؛ كَأَخْذِ غِرَاسٍ، وَبِنَاءِ مُسْتَأْجِرٍ) بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، (وَمُسْتَعِيرٍ وَزَرْعِ غَاصِبٍ) إذَا أَدْرَكَهُ بِالْأَرْضِ قَبْلَ حَصَادِهِ. (وَفِي الْإِنْصَافِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ) الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ، (خُصُوصًا فِي زَمَنِنَا هَذَا، وَقَدْ كَثُرَتْ الْحِيَلُ). أَقُولُ: وَهَذَا زَمَنُهُ، فَكَيْفَ بِزَمَنِنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ. (انْتَهَى) كَلَامُ الْإِنْصَاف. (وَيَتَّجِهُ) عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُ يُفْسَخُ قَبْلَ رَدِّ الثَّمَنِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لَكِنْ (لَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (حَبْسُهُ)؛ أَيْ: الْمَبِيعِ، (لِيَرُدَّ) الْبَائِعُ (الثَّمَنَ وَنَحْوَهُ). وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ مَضَى زَمَنُهُ)؛ أَيْ: الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ (وَلَمْ يُفْسَخْ) بَيْعٌ مَشْرُوطٌ لَهُ؛ (بَطَلَ خِيَارُهُمَا)؛ أَيْ: الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا، أَوْ خِيَارُ أَحَدِهِمَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَحْدَهُ، (وَلَزِمَ بَيْعٌ إنْ كَانَا تَفَرَّقَا) بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ الْمَجْلِسِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بَقَاءِ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّتِهِ الْمَشْرُوطَةِ.